قال تعالى:
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ {61}
(سورة الأنعام)
[size=16]
ورد في القرآن قاهر وورد قهار وأسماء الله الحسنى إذا وردت بصيغة المبالغة يكون المقصود منها التكرار وليس النوع لأن مستوى أسماء الله الحسنى لا تتبدل . فالله عز وجل حكيم في خلق النملة وفي خلق المجرة ، حكيم في خلق أصغر المخلوقات وفي خلق أكبرها ، عليم بكل شيء أسماؤه من حيث المستوى ثابتة لا تتبدل فإذا تبدلت فبحسب المخلوقات لا بحسب الخالق ، ولكن إذا ورد اسم مبالغ به فهو لمبالغة التكرار. الإنسان أحياناً يحارب عدواً ويقهره ، وقد لا يتمكن أن يقهر عدواً ثانياً أو ثالثاً . أما إذا قال : ربنا الواحد القهار فيعني أن كل المخلوقات مقهورة بالنسبة إليه . لمن الملك اليوم لله الواحد القهَّار .. على وزن فعَّال .. وهو القاهر فوق عباده . القهر في اللغة يعني الغلبة ، قهره أي غلبه ، أو صرف الشيء عن طبيعته طبيعة قوية قهرية ، وجعلته ضعيفاً على سبيل الإلجاء ، قال تعالى :
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ {9}
(سورة الضحى)
القهار على وزن فعَّال مبالغة من القاهر فيقتضي تكثير القهر التكثير العددي لأن التكثير النوعي لا يليق بحضرة الله تعالى . والقاهر هو القادر على منع غيره أن يفعل بخلاف ما يريد ، يعني صفة لله عز وجل في ذاته ، قدرة على نحو مخصوص يمنع الآخرين عن أن يفعلوا ما يريدون ، مشيئته هي النافذة ، أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . من معاني القهار أن الله تعالى يذل الجبابرة والأكاسرة تارةً بالأمراض ، فترى ملكاً من كبار الملوك عقيماً وهو يحب زوجته، فهو يدفع ألوف الملايين على أن تنجب فلا تنجب . ومن معاني القهار أن الله قهر العباد كلهم بالموت ، لا نبي ولا رسول ولا قوي ولا غني ولا صحيح ولا مريض ولا فقير ولا رفيع ولا وضيع ولا ملك ولا وزير ، إلا ويموت " إنك ميتاً وإنهم ميتون" وحتى ملك الموت يأتي دوره يقال له مت يا ملك الموت فيذوق طعم الموت ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول سبحان الله إن للموت لسكرات . بعض العلماء يقول : " القاهر هو الذي قهر نفوس العابدين " ، فجميع الخلق مقهورون في مشيئته . قال الله تعالى:
وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء
(سورة البقرة)
إذا عرف المؤمن الله القهار فمعنى ذلك أنه عرف حجم عبوديته ، من عرف نفسه عرف ربه ومن عرف ربه عرف نفسه ، كلمة سأفعل كذا وكذا وسأعطي وسأمنع ، هذا كله يبتعد عنه المؤمن لأنه يتنافى مع اسم الله القهار . ولكن يمكن أن يكون المؤمن قهاراً بمعنى خاص ، أن يقهر شهوته وأن يقهر متعلقات شهوته ، لأن شهوته هي أعدى أعدائه ، فإذا قهر ميله وشهوته وهواه معنى ذلك انتصر على ذاته .